أسلوب المحاورة في القرآن الكريم
![أسلوب المحاورة في القرآن الكريم أسلوب المحاورة في القرآن الكريم](https://www.social4money.com/uploads/2022/08/1660147111-download-21.jpg)
قال سبحانه وتعالى ( ٱذۡهَب بِّكِتَـٰبِى هَـٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡہِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡہُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ (٢٨) قَالَتۡ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمَلَؤُاْ إِنِّىٓ أُلۡقِىَ إِلَىَّ كِتَـٰبٌ۬ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ ۥ مِن سُلَيۡمَـٰنَ وَإِنَّهُ ۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَىَّ وَأۡتُونِى مُسۡلِمِينَ (٣١) قَالَتۡ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِى فِىٓ أَمۡرِى مَا ڪُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡہَدُونِ (٣٢) قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ۬ وَأُوْلُواْ بَأۡسٍ۬ شَدِيدٍ۬ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِى مَاذَا تَأۡمُرِينَ (٣٣) قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةً۬ۖ وَكَذَٲلِكَ يَفۡعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّى مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡہِم بِهَدِيَّةٍ۬ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ (٣٥) النمل.
هذه المحاورة جزء من قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ و موجزها مما ذكره القرآن الكريم أن سليمان آتاه الله مع النبوة ملكا لم يتح لغيره حتى حكم الإنس والجن والطير والحيوان فافتقد الهدهد ذات يوم فلم يجده فتوعده ولكن الهدهد جاءه بخبر عظيم الأهمية انه فى رحلته التي غاب فيها حتى وصل الى سبأ فى اليمن وجد هناك قوما يعبدون الشمس مع ملكتهم بلقيس ذات الملك العظيم فأمر سليمان ان يذهب بكتابه إليهم فذهب والقى الكتاب على الملكة.
فجمعت ذوى الرأي والمستشارين لتشاورهم في هذا الموقف الخطير وحينما تحدثت عن سليمان إليهم لم تحتج الى تعريف به وهو ان شهرته تطبق الافاق وكان مضمون كتاب سليمان على ايجاز بالغ التأثير بما يتضمن من اظهار لقوة سليمان وتمكنه من القدرة على من وجه اليهم الكتاب والكتاب كله ( بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَىَّ وَأۡتُونِى مُسۡلِمِينَ ) فهو يحزرهم من محاوله الاحتماء في أي قوه او غرور ويطلب منهم ان يأتوا اليه طائعين مستسلمين وهذا غاية الاعتداد بقوة النفس والتمكن من الخصم حيث لم يقل لهم استسلموا حينما آتيكم بقوتي وانما يلزمهم ان يسعوا هم إليه منقادين ولفظ مسلمين محمول على الاستسلام والخضوع وليس الإيمان …… هذا هو الموضوع ……. الذى تتحاور فيه الملكة مع مستشاريها وقادة قومها وواضح انه أمر فى غايه الخطورة ملك عظيم القوة يهددهم وهو قادر على التهديد. …
والملكة كما وصفها التقرير الذى قدمة الهدهد الى سليمان عليه السلام ( إِنِّى وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةً۬ تَمۡلِڪُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٌ۬ (٢٣) وصفها القران ملكها بالقوة والرقى فأما قوة الملك فتتمثل فى انها (وَأُوتِيَتۡ مِن ڪُلِّ شَىۡءٍ۬ ) واما عن رقى هذا الملك وما اشتمل عليه من حضارة فيتمثل فى قوله تعالى ( وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٌ۬ ) فعظمه العرش من حيث انه كرسي يوحى برقى الصناعة وسمو الحضارة وكل هذا يقره التاريخ ( حضارة فى ارض سبأ العريقة ) ومملكة سبأ لم تكن وليدة حكم بلقيس أنما كانت بلقيس فى ملكها سليلة ملك عريق وليس الذى يعيينا هنا اجداد بلقيس .
ونلاحظ أن تقرير الهدهد عن الملكة وصف الحالة الدينية لها ولقومها ( وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ) نجد ان حضارة الشعوب كثيرا ما ترتبط بالدين وتنبع منه كحضارة الفراعنة .
فالتقرير …….. يبين الحالة الدينية لهذا الشعب فيكشف الكثير من جوانب حياته ولهذا فان سليمان فى كتابه إلى الملكة يجعل العقيدة محور كل شيء مبينا ان كل ما يقوله ويفعله ليس من عنده وإنما هو ملكا فحسب لكفاه الخضوع السياسي او العسكري له ولكنه مادام نبيا فلا بد الخضوع الديني له أيضا والذى تولى عرض الموقف الملكة فكانت شديدة الدقة فبعد أن جمعت الملأ من قومها بدأت بالتمهيد بالموضوع فأعلمتهم بأن لديها كتاب من سليمان المشهور وقبل أن تعرض عليهم محتوى الكتاب أرادت أن تمهد لذلك وأن تهى نفوسهم بأمرين ذوى أهمية في الموقف أحدهما أنها تؤكد لهم أن هذا الكتاب كان مفاجئا لها ولم تكن له مقدمات لديها حتى لا يرتاب أحد منهم في أنه ربما تكون قد سبقت هذا الكتاب مراسلات او صلات متبادلة فأشارت الي ذلك بقولها (إِنِّىٓ أُلۡقِىَ إِلَىَّ كِتَـٰبٌ۬ كَرِيمٌ ) كما أنها اشارت الى ان هذا الكتاب ليس عاديا وانما هو (كِتَـٰبٌ۬ كَرِيمٌ ) وهذا يتضمن أحد امرين أما انها تنبهم الى ان لديها كتاب ذو اهميه واما انها تفهمهم انها درست مضمون الكتاب.
وتكونت لديها فكره عن هدفه وبيان الهدف من عرض الموضوع عليهم وهو انها تطلب منهم الرأي والمشورة ولكننا نلحظ انها بوصفها ملكه لم تستطيع ان تتخلى عما في نفوس الحاكمين فمع انها تطلب منهم الفتوى ( أَفۡتُونِى )! الا انها تجعل هذا الامر خاصا بها وكأنهم دخلاء فيه (فِىٓ أَمۡرِى ) الجأها الى مشورتهم فهي تذكرهم بان هذه عادتها وايضا سياستها دائما ان تستشيرهم الا انها تنبئهم قيما يشبه التصريح بان رايهم غير ملزم اياهم حيث تقول (مَا ڪُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡہَدُونِ ) فلم تقل حتى ترشدوني او تعينونني الرأي او نحو ذلك وانما هم مع الرأي مجرد حاضرين يشهدون ما تقول وما تفعل وتكاد تشير الى انها سياسه تنفرد بها حيث لم تقل ان الملوك يفعلون ذلك وانما نسبت هذه السياسة الى نفسها في شيء من الاعتزاز بالتزامها .
الطرف الثاني
ان شاء الله نكمل الجزء الثانى والاخير
لا تنسونا من صالح دعائكم
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق