(قصه الجنّ صاحب الكهف والمرأة العجوز)
مرةً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، كانت الشوارع خالية من أي بشر، لا تسمع إلا صوت المطر المخيف من السماء، والرعد يزيد المشهد رعبًا وخوفًا، ولا ترمي خطوات حتى يبرق الليل كأنه سيف يشق سواد السماء، وكانت امرأة عجوز تقطع تلك الطرقات المخيفة، ومعها قطتها السوداء.
في الطريق إلى الكهف:
تلبس المرأة العجوز ثيابًا قديمة مهترئة، وبيدها عصاها التي لا تفارق يدها، ففيها سرها وبها تستعين في حياتها، وقد كان شعر تلك العجوز أبيض، يظهر نصفه ويختبئ نصفه تحت شالها القديم الذي فيه شعوذات وبعض من بقايا عظام زوجها المتوفى منذ سنوات طويلة.
حاولت أن تنساه، لكنها لم تستطع ذلك، فقد أحبته جدًّا، ولم تصدق أنه فارقها، لذلك لم تفعل كما فعل بقية الناس، فعند موته لم تدفنه في مقبرة القرية، بل خرجت به إلى كهف بعيد، يقع على بعد أمتار من القرية.
هذا الكهف قد كان أسطورة مرعبة لأهل القرية، لا يجرؤ أحد أن يقترب منه، فقد كانوا يعتقدون أنه مسكون من قبل الجن، لأنهم كانوا يرون الصخور التي حوله تتحرك من تلقاء نفسها في الليل، وأحيانًا تشتعل نار على فم الكهف من تلقاء نفسها.
بل شاعت حكاية قصمت ظهور أهل القرية وزادت الخوف في قلبهم، هذه الحكاية تزعم أن شابًّا حاول ليلًا أن يخرج إلى ذلك الكهف، وقد شجّعه بعض أهل القرية، لكنّ بعضهم حذّره من الذهاب، فلم يسمع لكلامهم، فجهّز سلاحه وتوجه نحو الكهف، لكنهم لم يعرفوا عنه شيئًا بعد ذلك، فقد اختفى منذ ذلك الوقت.
على باب الكهف:
وصلت العجوز وقطتها باب الكهف، بعد أن تبللت ثيابها وشعرها بالمياه، أشارت إلى الحطب فاشتعل نارًا، ثم نادت وقالت: كشمفور، أين أنت؟ ألا تسمعني؟
فُتح التابوت الذي كان بزاوية الكهف، وخرجت منه روح متطايرة، ترفرف فوق رأس العجوز وتقول: لبيك يا سيدتي، لبيك فصاحب الكهف في خدمتك.
قالت له: أحضر لي ولقطتي طعامًا، فنحن لم نأكل منذ يومين.
فأحضر لها طعامًا، فلما انتهت قالت له: هنالك شابّ في القرية يحاول إزعاجي، ويسخر مني، ويتحداني بأنه قادر على الخروج إلى الكهف وطردكم منه.
قال لها: وما طلبك؟
قالت له: إذا جاءك هذا الغبي، فحوّله إلى قطة أخرى أستعين بها في القضاء على فئران داري. كما حوّلت ذلك الشابّ الذي جاء من قبل. ثم نظرت إلى القطة قائلة: يا لكِ من قطة وديعة!!
وفجأة:
سمعوا أصواتًا قادمة من بعيد، يظهر أنهم ليسوا واحدًا، بل هم جماعة كبيرة. ظنت العجوز وصاحب الكهف أنهم جنّ آخرون يلعبون تحت المطر، أو أنهم صيادون في الغابات، لكن تفاجؤوا أن الصوت يكبر أكثر وأكثر حتى خرجوا فرأوا أن القرية كلها قد جاءت وفي يدها فوانيس، وينادون: يا صاحب الكهف يا عجوز، اليوم ننهيكم فلا يبقى منكم أحد.
صاحت العجوز فيهم: ألم تكتفوا بقتل زوجي؟
قالوا: لقد كان خائنًا للقرية؛ فقد أبلغ عنا أننا نخزن القمح فائضًا في بيوتنا.
قالت: لا، بل هذه كذبة اخترعتموها، وما حقدكم عليه إلا لأنه كان سيعينه الوالي عليكم. اليوم سأنتقم لك يا زوجي.
ثم ضربت بعصاها يمينًا ويسارًا فاشتعلت الآفاق نارًا تلهب، ثم أحاطت بأهل القرية، وخرج منها روح زوجها الذي قتلوه.
أصيب أهل القرية بالذهول والدهشة. حاولوا الهرب، لكنهم فشلوا فالنار محية بهم من كل مكان، أسرعوا نحو الكهف، فلما رأى صاحب الكهف ذلك فكر واحتار، هل يحولهم جميعًا إلى قطط أم ماذا يفعل؟؟
فقرأ تعويذته، وقد أخطأ، فبدلًا من أن يقرأ اسم أهل القرية، ذكر اسم العجوز وزوجها، فتحولا إلى قطين، وخمدت النار، فسارع أهل القرية إلى حمل القطط ورميها في أطراف الغابة متخلصين منها.
وبينما هم في طريقهم رأوا المرأة العجوز ومعها قطة جديدة، لكن المفاجأة أن هذه المرة كان معها زوجها.
يجب عليك تسجيل الدخول لتستطيع كتابة تعليق